قراءة في نظام القانوني الجديد للمدربين الصادر عن FIFA
بقلم ذ خليل بوبحي
باحث بسلك الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية
ملخص البحث :
ستشّكل القواعد القانونية الجديدة لعمل المدربين منعطفا هامّا في تسوية النزاعات الرياضية بين مدربي كرة القدم والأندية و الاتحادات الرياضية القاريّة ، خاصة وأن هذه القواعد القانونية جاءت لوضع نوع من التوازن في العلاقة التعاقدية بين الطرفين من جهة ،ومن جهة ثانية ستساعد الاتحادات القارية والجمعيات الرياضية وجمعيات المدربين على معرفة الحقوق والالتزامات المتبادلة قبل إبرام العقود تفاديا لأي نزاع محتمل ، كما ستمكن الهيئات القضائية الرياضية من تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع على عكس ما هو عليه الأمر الآن، الأمر الذي سيساهم في تسوية النزاعات داخل أجال معقولة ، خاصة وأن مسطرة تنفيذ المقررات التحكيمية في شقّها المالي أصبحت جد سريعة وفعّالة بعد التنصيص على مقتضيات قانونية تستند على التنفيذ الفوري للعقوبات مباشرة بعد تماطل أو امتناع المدين عن التنفيذ في المهلة الزمنية المتفق بشأنها بين الطرفين شريطة إبلاغ الأمانة العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم بذلك .
Les nouvelles règles juridiques pour le travail des entraîneurs constitueront un tournant important dans le règlement des litiges sportifs entre les entraîneurs, les clubs et les fédérations sportives continentales.
D’autant plus que ces règles juridiques ont été mises en œuvre, dans le but d’établir un certain équilibre dans la relation contractuelle entre les deux parties d’une part, et d’autre part, d’aider les fédérations continentales sportives, les associations sportives et les associations d’entraîneurs à connaître les droits et obligations mutuels avant de conclure des contrats afin d’éviter toute sorte de conflit potentiel. Cela permettra également aux instances judiciaires du sport de déterminer la loi applicable à l’égard du litige, contrairement à ce qui se fait actuellement.
A cet égard, ceci contribuera à régler les litiges dans des délais raisonnables, surtout que le volet financier de la procédure de mise en évidence les décisions arbitrales est devenu instantanée et quasiment efficace.
Cette décision était l’objet de la mise en place des dispositions légales, fondées sur l’exécution immédiate des sanctions, après la constatation d’un différend ou d’un refus survenu d’un acteur dans le délai convenu entre les deux parties, à condition que le secrétariat général de la FIFA en soit informé.
مقدمـــة :
في خطوة تاريخية صادق المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA في اجتماعه الدوري المنعقد عن بعد بتاريخ 4 دجنبر2020 على إدخال مجموعة من التعديلات القانونية على نظام وضعية انتقالات اللاعبين RSTJ[1] ، وخاصة في الشق المتعلق بالحماية القانونية لمدربي كرة القدم المحترفين بعد إضافة الملحق الثامن للنظام المذكور، والذي سيدخل حيز التنفيذ انطلاقا من فاتح يناير 2021 بعد سنوات طويلة من غياب أي نظام قانوني خاص بالتعاقد يهتّم بهذه الفئة التي تلعب دورا محوريا وحيويا داخل عائلة رياضة كرة القدم ، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا على الحماية القانونية والاجتماعية لمدربي كرة القدم المحترفين من جهة ، ومن جهة أخرى سيسهّل عمل اللجان القضائية الرياضية المختصة سواء على المستوى الوطني أو الدولي لتسوية النزاعات التعاقدية بين الجمعيات والشركات الرياضية والمدربين المحترفين بشكل أكثر وضوحا ويسرا مما هو عليه الأمر اليوم ، وذلك على غرار لاعبي كرة القدم المحترفين .
فما هي أهم المستجدات التي ارتكز عليها النظام القانوني الجديد للمدربين ؟ والى أي حد سيساهم في الحماية القانونية والاجتماعية لمدربي كرة القدم المحترفين ؟
لتناول هذا الموضوع سنقسمه وفق على النحو التالي :
المبحث الأول: قواعد التعاقد في ظلّ النظام القانوني الجديد للمدرب.
المطلب الأول: على مستوى إنشاء العقد الرياضي للمدرب .
المطلب الثاني: على مستوى حماية الاستقرار التعاقدي للمدربين.
المبحث الثاني : أحكام النزاعات في ظل النظام القانوني الجديد للمدرب.
المطلب الأول : التأخير في تنفيذ الالتزامات المالية
المطلب الثاني : لجنة وضعية اللاعب التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم
المبحث الأول: قواعد التعاقد في ظل النظام القانوني الجديد للمدرب.
قام الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA بوضع إطار تعريفي دقيق لمدرب كرة القدم من خلال الفقرة 28 من الباب التمهيدي لنظام وضعية وانتقالات اللاعبين لسنة 2021 [2] ، وكذا الفقرة 2 من المادة الأولى للنظام المتعلق باشتغال المدربين ، وذلك للحيلولة دون حصول أي لبس أو تداخل مع فئات مهنية أخرى قد تدّعي صفة مدرب كرة القدم دون التوفر على الشروط التي حددتها المادتين المذكورتين للتمتع بالحماية القانونية اللازمة أمام الهيئات القضائية الرياضية المختصة .
لذلك أجد أن هذا التعريف هو موفق إلى حد ما على غرار بعض التشريعات الوطنية المقارنة[3] ، وذلك لإغلاق الطريق أمام الفوضى التي قد تعرفها هذه المهنة خاصة في ظل وجود بعض المتطفلين على المهنة أو حتى من طرف ممتهني التدريب الرياضي دون التوفر على الدبلومات والرخص اللازمة للممارسة المهنية .
وأمام وضع هذا الإطار المفاهيمي الجديد لمدرب كرة القدم كان من الضروري أن يوفر هذا النظام القانوني قواعد قانونية تحمي المدربين سواء عند إنشاء العقد أو أثناء تنفيذه أو بعد انقضائه وهو ما سنتطرق له من خلال ما يلي :
المطلب الأول: على مستوى إنشاء العقد الرياضي للمدرب.
من المعلوم أن العلاقة التي تربط بين مدرب كرة القدم والجمعية أو الشركة الرياضية هي علاقة شغلية [4] ، لذلك كان من الضروري تضمين مقتضيات قانونية حمائية وواضحة بين الطرفين لوضع نوع من التوازن القانوني للعقد الرياضي .
وفي هذا الإطار نصّت مقتضيات المادة الثانية من النظام القانوني للمدرب على مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية التي يتعيّن على أطراف العلاقة التعاقدية الالتزام بها وقت إبرام العقد .
ذلك أن شكلية الكتابة بحسب المادة المومأ إليها أعلاه في فقرتها الأولى تعتبر شكلية إلزامية لانعقاد واثبات العقد الرياضي الاحترافي بين المدربين والجمعيات أو الشركات الرياضية وحتى الاتحادات القاريّة ، وبالتالي لا مجال للحديث في إطار المنازعات الرياضية بين المدربين والأندية المتعاقدة أو الاتحادات عن العقود الشفوية ، إذ أن الشرط الوحيد لإثبات الصفة في الادعاء هو العقد المكتوب والموقع عليه بين الطرفين ، وغير ذلك غير مقبول أمام الهيئات التحكيمية الرياضية كالإثبات بواسطة شهادة الشهود أو غيرها من وسائل الإثبات المقررة قانونا .
وأجد أن هذا المقتضى القانوني سبق وأن تبنّته مجموعة من التشريعات الوطنية المقارنة كقانون التربية البدنية والرياضة المغربي[5] ، وقانون الرياضة الفرنسي[6] ، وقد جاء النظام القانوني الجديد للمدرب الصادر عن الاتحاد الدولي FIFA ليقوم بتعزيزه وتأكيده .
أما الشكلية الثانية التي نصّت عليها المادة السابقة في فقرتها الخامسة فتنصبّ حول إلزام الجهة المتعاقدة سواء كانت جمعية أو شركة رياضية أو اتحاد قاري بضرورة التأكد من مدى استيفاء المدرب للشروط اللازمة للتدريب من قبيل توفره على الدبلومات أو الرخص الضرورية للتدريب ، وكذا إنهائه لالتزاماته التعاقدية السابقة من عدمها إلى غيرها من المسائل الأخرى التي يتعين على الجهة المشغلة التحقق منها قبل التعاقد مع المدرب .
ومن وجهة نظري الشخصية أعتقد أن أي إهمال بخصوص مراقبة مدى استيفاء هذه الشكلية من طرف الجهة المتعاقدة لا يمكن أن يؤدي بالضرورة إلا قابلية العقد للإبطال ما دام أن هذه الشكلية لا يتوقف عليها صحة العقد ، و ليست عيبا من عيوب الإرادة المنصوص عليها قانونا ، بل إن تعاقد النادي مع المدرب دون الالتفات إلى هذه الشكلية يجعل العقد صحيحا من الناحية القانونية ويستوجب التعويض في حالة الإخلال ببنوده إعمالا للقاعدة الفقهية القائلة بأن ” المهمل يتحمل وزر إهماله ” و ” المفرط أولى بالخسارة “.
وعلى مستوى أخر وزيادة في المقتضيات الحمائية للمدربين نصّت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من النظام الجديد للمدربين على أن صحّة العقد الاحترافي للمدربين لا يمكن أن تتوقف على حصول المدربين على بطاقة الإقامة في بلد العمل ، أو إلزامهم بالتوفّر على رخص تدريب خاصة أو معيّنة ، أو أي شروط إدارية أو تنظيمية أخرى يمكن اشتراطها حتى يتّم تنفيذ بنود العقد ، لأن هذه المسائل الإدارية تبقى من اختصاص عمل النادي أو الاتحاد القاري المتعاقد معه وليس من اختصاص المدربين.
وبالتالي ومن وجهة نظري فان أي عقد رياضي يربط بين مدرب كرة القدم محترف وبين نادي رياضي أو اتحاد قارّي يتضمن احد هذه الشروط يجعل بالضرورة هذا الشرط باطلا لمخالفته للقانون ويجعل كذلك العقد الذي علّق عليه تنفيذ هذا الشرط قابلا للإبطال تطبيقا لمقتضيات الفصل 108 من قانون الالتزامات والعقود [7].
أما فيما يتعلق بالشروط الموضوعية للعقد الرياضي للمدربين فقد نصّت الفقرة الثانية من المادة المشار إليها أعلاه على أن العقد يجب أن يتضمن العناصر الأساسية لعقد العمل وعلى وجه الخصوص موضوعه ، والحقوق والالتزامات المتبادلة بين أطرافه ، والوظيفة المتفق بشأنها ، والالتزامات المالية ، والمدة ، ثم توقيع الأطراف عليه ، وهو تكريس لمبدأ ” l’autonomie de la volonté ” المتعارف عليه في القانون المدني والذي يترجم توافق إرادة المتعاقدين بالتوقيع على العقد وصيرورته ملزما لهما معا تطبيقا لقاعدة ” Pacta Sunt Servanda ” [8].
وبهذا الخصوص أعتقد أن المشرع المغربي كان سباّقا إلى حماية حقوق المدربين على المستوى الوطني من خلال وضع عقد نموذجي خاص بالأطر التقنية منشور بالجريدة الرسمية[9] ، يتضمن مجموعة من المقتضيات القانونية الجيّدة التي تتقاطع مع مجموعة من القواعد القانونية الموضوعية التي جاء بها نظام FIFA الجديد ، لكن مع كامل الأسف نسجل أن هذا العقد النموذجي لا يتم توظيفه من طرف غالبية الأندية الوطنية التي تعتمد على استنساخ عقود خاصة بها تتعارض في غالب الأحيان مع المقتضيات التنظيمية الواردة في العقد النموذجي للمدرب مما يزيد من تراكم عدد الملفات المتعلقة بالنزاعات بين الأندية والمدربين عند إنهاء العقد أمام الغرفة الوطنية لفض المنازعات .
المطلب الثاني: على مستوى حماية الاستقرار التعاقدي للمدربين.
إن الغاية من إنشاء العقود كيف كان نوعها هي حماية أطرافها بالدرجة الأولى، ثم تنفيذ الالتزامات التي تضمنتها بالدرجة الثانية.
وفي هذا السياق جاء النظام القانوني الجديد للمدربين بمجموعة من المقتضيات القانونية التي تحمي مدربي كرة القدم من الفسخ التعسفي الذي قد يتعرضون له دون سبب وجيه وعادل خاصة وأن رياضة كرة القدم مرتبطة بتحقيق النتائج الايجابية أي الانتصارات وإسعاد الجماهير ، بيد أنه وفي أحيان كثيرة لا تخدم النتائج السلبية بعض المدربين لسبب أو لأخر فتكون إقالتهم هي الحل أمام المكاتب المسيّرة لإسكات غضب الجماهير .
لذلك نصت مقتضيات المادة الثالثة من النظام على ضرورة احترام العقد المبرم بين الطرفين، إذ أن إنهاء العقد لا يكون إلا بانتهاء مدته أو باتفاق طرفيه .
أما إنهائه خارج هاتين الحالتين فإننا سنكون أمام إحدى الحالتين التاليتين: 1) فسخ العقد بسبب وجود لسبب عادل. 2) فسخ العقد بسبب عدم دفع الأجور 3) فسخ العقد دون وجود سبب عادل.
وأعتقد شخصيا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA استلهم مجموعة من القواعد القانونية المنصوص عليها في قانون اللاعب ليقوم بتطبيقها على عقود المدربين في حالة إنهاء العقد قبل أوانه ، وذلك في إطار فلسفة FIFA في توحيد القواعد القانونية الخاصة بتسوية النزاعات الرياضية الخاصة سواء باللاعبين أوالمدربين .
- فسخ العقد لوجود سبب عادل :
يمكن للمدرب أو النادي أو الاتحاد القاري أن ينهي العلاقة التعاقدية عن طريق الفسخ دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض في حالة وجود سبب مشروع وعادل استنادا لمقتضيات المادة الرابعة من النظام القانوني الجديد للمدرب[10] ، وفحص مدى شرعية وجود السبب العادل من عدمه لفسخ العقد يبقى من اختصاص الهيئات القضائية الرياضية التي تتولى البت في ملف النزاع ، والتي تبقى وحدها المؤهلة للنظر في الأسس الواقعية والقانونية التي بنى عليها كل طرف وجهة نظره لفسخ العقد.
وقد أعتبر قانون المدرب الجديد أن أي سلوك مسيء من طرف أحد طرفي العلاقة التعاقدية يهدف إلى إجبار الطرف الأخر على إنهاء العقد أو تعديل بنوده يعتبر سببا عادلا ومشروعا لفسخ العقد مع ما يترتب عن ذلك قانونا.
- فسخ العقد بسبب عدم دفع الأجور :
على غرار قانون اللاعب خوّلت المادة الخامسة[11] من النظام القانوني الجديد للمدربين صلاحية فسخ تعاقدهم مع الجهة المشغلة إذا لم يتوصلوا بمستحقاتهم المالية عن أجرة شهرين في المواعيد المتفق عليها ، وقد اعتبر القانون المذكور أن هذا السبب عادل ومشروع لفسخ العقد في الشق الرياضي مادام أن كرة القدم هي مورد رزق المدرب ، لكنّه قيّد ممارسة هذا الحق بضرورة توجيه المدرب لإنذار مكتوب للجهة المشغلة ومنحها أجل خمسة عشر يوما لأداء مجموع المبالغ المستحقة تحت طائلة عدم قبول الدعوى .
أما بالنسبة للأجور التي لا يتم دفعها على أساس شهري ، سيتم تقسيم القيمة المقابلة لشهرين وبالتالي سيكون التأخير في دفع مبلغ يعادل راتب شهرين سببا عادلا لإنهاء العقد شريطة احترام أجل الخمسة عشر يوما المشار إليه أعلاه.
- فسخ العقد دون وجود سبب عادل :
من خلال ما تقدم أعلاه لاحظنا أن النظام القانوني للمدربين حدّد بشكل حصري الحالات المشروعة أو العادلة التي يمكن من خلالها لأطراف العقد التحلل من قوته الملزمة ، غير أن أي إنهاء للتعاقد خارج الحالات المذكورة يعتبر فسخا تعسفيا للعقد يستوجب التعويض [12].
والجدير بالذكر أن الهيئات القضائية الرياضية كانت تجتهد و تعتمد على هذا المعيار حتى قبل تنظيمه من طرف FIFA في تسوية نزاعات المدربين في مجموعة من قراراتها [13]، غير أن قانون المدرب الجديد حدّد عدّة معايير يمكن للهيئة القضائية الرياضية سواء الدولية أو الوطنية الرجوع إليها عند ثبوت الفسخ التعسفي للعقد الرياضي للمدربين من جانب واحد واعتمادها في احتساب التعويض ما لم ينّص العقد على خلاف ذلك سواء بالنسبة للمدربين أو الجهة المشغلة .
ويمكن احتساب التعويضات سواء للمدربين أو الجهة المشغلة المتعاقدة وفق ما يلي :
- التعويض الممنوح للمدربين:
حددت الفقرة الثانية من المادة السادسة من النظام القانوني للمدربين[14] الطريقة التي يمكن للهيئات القضائية المختصة اعتمادها في التعويض في حالة إنهاء العقد دون سبب وجيه قبل أوانه وفق ما يلي :
ذلك أنه إذا لم يوقع المدرب عقدا جديدا بعد إنهاء عقده السابق ، فالتعويض يكون معادلا للقيمة المتبقية للعقد الذي تم إنهاؤه قبل أوانه بشكل تعسفي .
أما إذا وقع المدرب عقدا جديدا في وقت صدور قرار الهيئة التحكيمية فان التعويض يحتسب بخصم قيمة العقد الجديد عن الفترة المقابلة للمدة المتبقية من العقد الذي تم إنهاؤه قبل أوانه وهو ما يسمى (بالتعويض المخفض ) ، بالإضافة إلى ذلك يحق للمدرب الحصول على مبلغ يعادل راتب ثلاثة أشهر وهو ما يسمى بالتعويض الإضافي ، أما في حالة وجود ظروف خاصة مشددة فيمكن للهيئة القضائية التحكيمية رفع قيمة التعويض الإضافي ليعادل أجور ستة أشهر، شريطة أن لا تتجاوز القيمة الإجمالية للتعويض القيمة المتبقية للعقد الذي تم إنهائه قبل الأوان .
- التعويض الممنوح للأندية أو الاتحادات :
إذا ثبت للهيئات القضائية الرياضية من خلال وثائق النزاع أن المدرب هو من تعسّف في إنهاء العقد خلال الفترة المحميّة دون سبب عادل وقام بالتّوقيع لنادي جديد ، فان هذا المدرب ملزم بأداء تعويض للجهة المشغلة يتم احتسابه على أساس الأضرار و التكاليف التي تسبب فيها للنادي فيما يتعلق بإنهاء العقد مع الأخذ بعين الاعتبار على وجه الخصوص الأجر المتبقي و المزايا الأخرى المستحقة للمدرب بموجب شروط العقد الذي تم إنهائه قبل الأوان أو بموجب شروط أي عقد جديد ، والتكاليف والنفقات التي تكبدها النادي القديم .
ومن وجهة نظري فالمعايير التي حددها النظام القانوني الجديد للمدربين لحماية الاستقرار التعاقدي ستساهم دون أدنى شك في تسريع وثيرة البت في ملفات النزاعات بين المدربين والأندية مادام أن الأمور الآن أضحت واضحة من حيث الالتزامات المالية المتبادلة بين الطرفين .
المبحث الثاني : أحكام النزاعات في ظل النظام القانوني الجديد للمدرب.
المطلب الأول : التأخير في تنفيذ الالتزامات المالية
مما لاشك فيه أن النزاعات المالية بين الأندية والمدربين تتصدر قائمة الملفات المعروضة على أنظار الهيئات القضائية الرياضية الوطنية والدولية خاصة إذا ما علمنا أن مقتضيات المادة 7 من النظام القانوني الجديد للمدربين[15] نصّت على وجوب احترام الأندية والاتحادات لالتزاماتها المالية اتجاه المدربين وفق بنود العقود الرياضية الموقع عليها بين الطرفين .
ذلك أن الأندية والاتحادات المتعاقدة تعتبر متقاعسة عن تسديد المستحقات المالية للمدربين بعد انصرام أجل ثلاثون يوم من التاريخ المتعاقد بشأنه لاستخلاص الأجر الشهري، وفي هذا الإطار ومن اجل إثبات التقاعس في أداء المستحقات يمكن للمدربين الدائنين توجيه إنذار مكتوب للأندية أو الاتحادات المتقاعسة ومنحها أجل 10 أيام على الأقل للوفاء بالتزاماتها المادية قبل سلوك الإجراءات القانونية الواجبة والمطالبة بإيقاع الجزاءات الرياضية المقررة قانونا دون إغفال إمكانية فسخ العقد بعد انصرام أجل الشهرين والمشار إلى أحكامه سلفا بموجب المادة السادسة .
والجدير بالذكر أن النظام القانوني الجديد للمدربين رتّب عواقب وخيمة على عدم دفع المستحقات المالية العالقة بعد استحققها وفق ما سيأتي أسفله .
المطلب الثاني : لجنة وضعية اللاعب التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم[16]
تختصّ لجنة وضعية اللاعب داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم بالنظر في النزاعات ذات البعد الدولي بين الأندية والاتحادات والمدربين والمتعلقة بالشغل،[17] في حين تختص غرفة فض المنازعات بالنظر في النزاعات بين اللاعبين المحترفين والأندية .
ففي الحالة التي ينشأ فيها نزاع رياضي بين مدرب محترف وأحد الأندية أو الاتحادات المتعاقدة بسبب تنفيذ بنود العقد الرياضي الذي يربط بينهما والذي يأتي غالبا في صورة إنهاء العقد قبل أوانه بسبب عدم الوفاء بالالتزامات المالية أو إنهائه قبل أوانه دون سبب وجيه ، فان المدربين أو الأندية المتعاقدة يكونون ملزمين باللجوء للجنة وضعية اللاعب داخل FIFA وتقديم شكاية في الموضوع للمطالبة بمستحقاتهم المالية .
لكن الإشكال الذي كان يثار بعد صدور المقرر التحكيمي للجنة وضعية اللاعب سواء ابتدائيا أو بعد صيرورته نهائيا بعد استئنافه أمام محكمة التحكيم الرياضي بلوزان كان يتعلق بالتنفيذ[18] ، إذ أن مجموعة من الأندية كانت تتماطل في تنفيذ المبالغ المالية المحكوم بها لسنوات غيرمكترثة بالعواقب الوخيمة الناتجة عن الامتناع عن التنفيذ باعتباره فعلا مجرما بحسب مدونة التأديب الصادرة عن FIFA والتي قد تصل العقوبة بشأنه إلى الدحرجة من القسم الذي يمارس فيه النادي للممتنع إلى القسم الموالي[19] ، لكنّ تنفيذ هذه العقوبات كان يتطلب تقديم طلب بفتح المسطرة التأديبية أمام اللجنة التأديبية التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم والإدلاء أمامها بما يفيد مباشرة إجراءات التنفيذ والامتناع من جانب الجهة المشغلة ، هذه المسطرة رغم أنها تأخذ بدورها وقتا معينّا غير أنها تنتهي غالبا بسداد الديون المتخلّذة في ذمة الأندية مخافة صدور عقوبات من طرف FIFA .
وإذا كانت النّزاعات الرياضية تتميز بخاصية السرعة في تسوية الخلافات عن طريق التحكيم على عكس القضاء العادي الذي يتميز بالبطء في إجراءات التقاضي لأسباب متعددة ، فقد وضع النظام الجديد للمدربين من خلال المادة الثامنة منه إجراءات مسطرية سريعة وفعّالة لتنفيذ المقررات التحكيمية الصادرة عن الهيئات المختصة في مواجهة المدينين ، بحيث أنه خوّل لهذه للهيئات صلاحية تضمين العقوبات التي قد يتعرض لها المدين سواء كان مدربا أو ناديا في حالة عدم الأداء في التاريخ المقرر في منطوق المقررات التحكيمية .
أما في الحال التي تتدخل فيها الأمانة العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم طبقا للاختصاص المخول لها قانونا لمنح مهلة للأداء لأحد الطرفين ، فان عواقب التّماطل في الأداء يجب تضمينها في مراسلة الأمانة العامة على غرار المقرر التحكيمي .
وبحسب الفقرة الثانية من المادة الثامنة فان العقوبات التي يجب تضمينها في المقررات التحكيمية لا يمكن أن تخرج عن الأتي :
بالنسبة للأندية : المنع من تسجيل التعاقدات الجديدة على المستويين الوطني والدولي إلى غاية أداء جميع المبالغ المالية المستحقة ، على أن تكون مدة المنع القصوى من التسجيل هي ثلاث فترات متتباعة .
بالنسبة للاتحادات : تقليص النسبة المئوية من المنحة التي ترسلها FIFA للاتحادات والخاصة ببرنامج التنمية” fonds de développement [20] ” إلى غاية أداء جميع المبالغ المالية المستحقة
بالنسبة للمدربين : المنع من مزاولة مهام تدريب كرة القدم إلى غاية أداء جميع الديون المالية المستحقة ، على أن لا تتعدى مدة المنع بين أربعة و ستة أشهر .
وتجدر الإشارة إلى أن قرار لجنة وضعية اللاعب يكون قابلا للتنفيذ داخل أجل 45 يوما الموالية لتبليغه ما لم يتم قطع هذه المدة بموجب استئناف أمام محكمة التحكيم الدولية TAS ، بيد أنه وبعد صدور القرار النهائي عن TAS يجب على المدين دفع كامل المبلغ المستحق بما في ذلك الفوائد المطبقة الى الحساب البنكي للدائن داخل المهلة الزمنية المحددة ، وفي حالة عدم دفع الدين في أجله المحدد يجوز للدائن أن يطلب من FIFA تنفيذ العقوبات بواسطة طلب مكتوب والتي تطبق فورا ودون المرور عبر اللجنة التأديبية وهي من المستجدات الجديدة التي تبنتها FIFA من أجل تسريع وثيرة تنفيذ المقررات التحكيمية الصادرة عن هياكلها .
كما أن رفع هذه العقوبات لا يتم إلا عبر سداد المستحقات المالية العالقة في ذمة المدين وتقديمه الدليل على أداء المستحقات المالية أمام الأمانة العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم التي تقوم بطلب تأكيد تسلّم المبالغ من طرف الدائن داخل أجل خمسة أيام ، وهنا نكون أمام حالتين إما تأكيد الدائن لاستلام المبالغ المالية المستحقة ويقوم FIFA برفع العقوبات ، وإما ترفع العقوبات بعد انصرام الآجال المقررة قانونا لذلك في حالة عدم الرد من طرف الدائن وفي الحالتين معا يكون رفع العقوبات مباشرة بواسطة رسالة كتابية من FIFA تفيد هذا الإجراء .
وإجمالا يمكن القول أن الاتحاد الدولي لكرة القدم كان موفقا في تبنّي نظام قانوني حمائي خاص بفئة المدربين على غرار اللاعبين المحترفين في ظل الفراغ التشريعي الذي كان يعرفه هذا المجال سواء على الصعيدين الوطني أو الدولي ، كما أنه أضحى من اللازم على الاتحادات القارية التنصيص فيها لوائحها الداخلية على هذه المقتضيات التنظيمية الصادرة عن FIFA تطبيقا لمقتضيات الفقرة 4 من المادة الأولى من القواعد الجديدة الخاصة باشتغال المدربين[21] ، وفي هذا الإطار أعتقد أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مدعوة إلى تعديل لائحة انتقالات اللاعبين وإدراج هذه التعديلات الجديدة ضمنها في جمعها العام المقبل ، مع التشديد على رفض التأشير على العقود الرياضية بين المدربين والأندية التي لا تعتمد على العقد النموذجي الصادر في الجريدة الرسمية كإطار تشريعي وحيد للتعاقد ، نظرا لما يوفره من حد أدنى من الحقوق المنصوص عليها في النظام الجديد للتعاقد